نأمل أن تجد مخرجات وتوصيات مؤتمر الخدمة المدنية اهتماما ومتابعة وتنفيذ لانها العمود الفقري الذي يسند الدولة الحديثة في العصر الرقمي الذي قلل عملية التواصل المباشر ويماسس هياكلها بمعايير وضوابط وقوانين ولوائح صارمة ترتقي الي مستوي الطفرة التي حدثت في دول العالم و تعالج سرطان المحسوبية والقبيلة الذي استشري في جسدها .
ويكتسب المؤتمر أهمية كبيرة لأننا في مرحلة كادت أن تتلاشى فيها الدولة نفسها وبلغ الاستهزاء بالخدمة المدنية والمواقع الدستورية القيادية والعمل العام لدرجة ضاعفت انتشار وتمدد ظاهرة ممالك النمل في اضابيرها بصورة مريعة حتي فكر حميدتي في حكم السودان وان يصبح الرجل الاول في هرم الدولة الإداري وربما راودت عبدالرحيم طاحونة احلام ماساوية مشابهة .
ومهددات التلاشي لم تنبع من فراغ وانما نمت في سياق تاريخي وفر الأسباب والشروط
لدرجة الخشية من أن لاتكون ظاهرة حميدتي فردية معزولة بل جماعية مما يؤشر الي بداية رحلة الدولة العكسية الي ماقبل التاريخ الحديث لذلك لابد من النظر بعمق في أسبابها ودراستها وتحليل الملابسات التي ادت الي تفاعل وتحريك مكنزيمات الاستمنال الإثني القائم علي النوع والمتفشي بالمحسوبية والانتماءات القبلية والجهوية مما دفع باقزام تقاصرت همتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم في المواقع التي حلوا بها نتيجة لاستشراءه وانتشار والأفكار السطحية التي فلسفة وجوده باعتماد الولاء والانتماء والتصنيف كمعايير فتشربت العقل الجمعي الفكرة المعطوبة وعشعش الوهم و الطموح البوكو في السيطرة علي مقاليد الحكم وادارة الدولة .
ومنذ شيوع ثقافة المكون في الادب والقاموس السياسي تراجعت الشروط والمواصفات الموضوعية الاخري مثل المؤهل والكفاءة والخبرة وغيرها ..واصبحت المنافسة علي النفوذ والثروة والسلطة يرتكزان علي العصبة ونشات سلسلة من الحروبات والنزاعات والمناوشات القبلية التي راح ضحيتها الالاف في غرب السودان نتيجة المنافسة غير الشريفة علي المواقع والوظائف كدافع خفي يستخدمه الفاعلون لتحريك البسطاء واكتسب زعماء الادارات الاهلية نفوذ كبير اذ أصبحوا بين عشية وضحاها مراجع يسشارون في الاختيار والتوظيف السياسي وبكل أسف حتي الخدمة المدنية و أصبح نقل الموظف أو محاسبته يتوقفان علي حجم علاقاته وقوتها . وتلاشت الطبقة الوسطي رغم أهميتها في عمليتي التوازن والتأثير في أنماط الدولة الحديثة. والإسهام في نشر الوعي وتثقيف المجتمعات وتحديث سلوكها وتحضيرها وتطويرها لذلك تعثرت النقلة المرجوة من مستويات الحكم وتضعضعت أهمية ومكانة الطبقة الواعية المثقفة امام جحافل الغوغاء في تلك المستويات فأصبح من الممكن أن تجد ولاية اسما فقط ومحلية عقلا وطبقة وفكرا مما ادي حدوث نقلة عكسية و نكسة تاريخية…فأصبح العمدة موظف والاستاذ شيخ حلة والراعي مدير مصلحة واختلط الحابل بالنابل وأصبحت مظاهر التقدم شكلية وجوفاء فارغة من المحتوي لأن الهدف من البداية ليس خدمة الدولة والارتقاء بالمجتمع بقدر ما أنه الكسب الشخصي والترضيات ومع تمدد وتحور مفهوهمي الحكم والتوظيف أنشأت ولايات باسس وفقا لهذه المعايير غير الموضوعية علي سبيل المثال ولاية شرق دارفور بعد أن فصلت من ولاية جنوب دارفور في قسمة الأصول اعترضوا علي ذهاب الموظفين ذوي الخبرات…لأن مكون الولاية ضعيف في هذه الناحية والهيمنة علي الوظائف بلا وجه حق..فتجد موظف في مداخل الخدمة مدير إدارة ويمكن أن تجد شخص بلامؤهلات موظف….في وظيفة مرموقة…استسهال الامر ربما اغري بفكرة إدارة الدولة واستلامها….وهذا النموذج الفوضوي القائم يقرع ناقوس الخطر ويستوجب الإصلاح العاجل والمراجعة الشاملة.
مخرجات مؤتمر الخدمة المدنية هل ستقضي علي ممالك النمل المعشعشة في اضابيرها ؟
مقالات ذات صلة