استخف السودانيون منذ الاستقلال باهمية تبني واعتماد استراتيجية سياسية وأمنية مرجعية تضبط وتوجه الأداء العام وتمكنهم من إدارة وتنظيم الصراع علي كراسي السلطة والنفوذ السياسي والاقتصادي بحكمة مهتدية ومسورة برؤية فكرية ثابته ومرتبطة بغايات تنموية تصب في المصلحة العامة وليس الحزبية أو الجهوية أو المناطقية هذا القصور المستمر حال دون التوافق علي دستور الدائم مما أحدث قدر من الارتباك المزمن في أروقة صنع القرار ونوع من الفوضي كلفت الشعب السوداني اثمانا باهظة نتيجة هذه الاخفاقات القاتلة وقادت الي نوع من التعاطي الارتجالي مع الشان السياسية و الأمن القومي .
ولم يؤدي هذا الاستهتار المستمر الي حدوث ثغرات أمنية وسياسية أدت الي اندلاع الحرب التي كادت أن تعصف بالدولة السودانية فحسب بل أسهم كذلك في تفشي فيروسات قاتلة ما انفكت تنخر كالسوس في نسيج الممسكات الوطنية فكادت أن تهتري وتتمزق هي الاخري مثل القوات المسلحة وجهاز الأمن والاستخبارات وبعض ما تبقي من جسد ناحل لاحزاب وطنية شاخت ومرضت رغم أهمية بقاءها .كدرجة انتماء افضل من المكونات الاولية للمجتمع ولاتقل أهمية عن الممسكات الاخري في توحيد الجهة الداخلية . واستطاع السودان بفضل ما تبقي من ممسكات امتصاص الصدمة و خوض معركة الكرامة ومواجهة الاستهداف والمؤامرات بانضباط وصلابة سهلت صمود الجبهة الداخلية وانتصاراتها في جبهات القتال والميادين الاخري إلا أن انعكاسات غياب المرجعيات من جهة أخري ساهم في بروز وتنامي الشخصانية التي تمددت بسرعة في الفراغات الناجمة عن ضعف البناء المؤسسي واوجدت هامش لتحركات الأفراد كذئاب منفردة في ساحات العمل العام مما اخضع بعض القرارات للامزجة والرغبات والمصالح الشخصية تعمل وفق حلقات وديناميكية تدفعها الطاقة السالبة لسخايم الانفس المريضة وهيات مناخ ملائم للثرثرة السياسية وتفشي الوشاية والتحريض وحياكة المؤمرات الصغيرة بداوافع مختلفة ومتشعبة ربما تكون المصلحة العامة آخرها ولكن اخطرها علي الاطلاق في هذه المرحلة هي اضعاف تماسك الجبهة الداخلية ومن أبرز تطورات هذه الظاهرة المرضية في أيامنا هذه مايدور من أقاويل حول التشكيل الوزاري الذي تخلله ترويج لخطاب الكراهيه والمناطقية وكذلك ما يشاع حول مغادرة الفريق احمد ابراهيم مفضل والفريق ابراهيم جابر
وأعتقد أن من يطلقون مثل هذه البالونات والشائعات اختاروا توقيتا قاتلا لتمرير ذات الأجندة الخبيثة في هذه الاجواء دون اعتبار أو تقدير لحساسية المرحلة ومخاطر نشوء ارتدادات تولد انشطة تهدم تماسك الجبهة الداخلية فالفريقين مفضل وإبراهيم جابر من ابطال معركة الكرامة بوقفتهما الصلبة منذ اندلاعها والأدوار الوطنية التي قاما بها مع رفاقهم كتيم متجانس مشهودة فلمصلحة من يتم ترويج مثل هذه الاحاديث والبلد تعاني اوجاع هذا المخاض القاتل والانتقال الصعب لأجل ان تبقي في ظل احتدام صراع وجودي متعدد الأوجه والجبهات ضيق هامش المناورة علي الجميع بفرصه الضئيلة واحتمالاته المحدودة مما يؤكد أن كلا الرجلين بالحسابات الشخصية لن يكونا راغبان في الإستمرار لدرجة الاستماتة في الصراع علي المناصب في ظل هكذا أوضاع مأساوية وان الذين يطلقون مثل هذا الكلام الفارغ سدت بصيرتهم الأطماع الشخصية فلم يدركوا حقيقة الأوضاع بعمق يرتقي الي حجم الكارثة ولم يستوعبوا درس الحرب وما خلفته من واقع مرير .فالبلد تحتاج الان الي جهود جبارة لاعادة تأهيلها وترميمها…وبالتالي ليست هنالك مغريات كثيرة في الوظيفة العامة مع كثير من الإرهاق والتعب والسهر الطويل.والهم والغم .
هل المقصود الفريق مفضل؟
مقالات ذات صلة